كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وسلّم الإسماعيلي من ذلك، فإنه لما لم يجده في مروياته، أورده من روايته عن الفربري، بالإجازة عن البخاري بسنده، وقد روى يزيد بن هارون بهذا السند حديث اللبنة، أخرجه أبو الشيخ في كتاب الأمثال، من طريق أحمد بن سنان الواسطي عنه، وساق بهذا السند حديث «مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا» الحديث، لكنه عن أبي هريرة لا عن جابر، وقد ذكر الرامهرمزيّ حديث الباب في كتاب الأمثال معلقا فقال: وروى يزيد بن هارون، فساق السند ولم يوصل سنده بيزيد، وأورد معناه من مرسل الضحاك بن مزاحم.
زاد في رواية البخاري بعد قوله: «ومحمد فرّق بين الناس»، تابعه قتيبة عن ليث عن خالد عن سعيد بن أبي هلال عن جابر: «خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلّم».
قوله: تابعه قتيبة عن ليث، يعني ابن سعد، عن خالد، يعني ابن يزيد، وهو أبو عبد الرحيم المصري أحد الثقات.
قوله: عن سعيد بن أبي هلال عن جابر قال: «خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلّم...»، هكذا اقتصر على هذا القدر من الحديث، وظاهر أن بقية الحديث مثله، وقد بينت ما بينهما من الاختلاف، وقد وصله الترمذي عن قتيبة بهذا السند، ووصله أيضا الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان، وأبو نعيم من طريق أبي العباس السراج، كلاهما عن قتيبة، ونسب السراج في روايته الليث وشيخه كما ذكرته. قال الترمذي بعد تخريجه: هذا حديث مرسل، سعيد بن أبي هلال لم يدرك جابر بن عبد الله.
قال الحافظ ابن حجر: وفائدة إيراد البخاري له، رفع التوهم عمن يظن أن طريق سعيد بن ميناء موقوفة، لأنه لم يصرح برفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلّم، فأتى بهذه الطريق لتصريحها، ثم قال الترمذي: وجاء من غير وجه عن النبي بإسناد أصحّ من هذا. قال: وفي الباب عن ابن مسعود، ثم ساقه بسنده وصححه، وقد بينت ما فيه أيضا بحمد الله تعالى، ووصف الترمذي له بأنه مرسل، يريد أنه منقطع بين سعيد وجابر، وقد اعتضد هذا المنقطع بحديث ربيعة الجرشي عند الطبراني، فإنه بنحو سياقه وسنده جيد، وسعيد بن أبي هلال غير سعيد بن ميناء الّذي في السند الأول، وكل منهما مدني، لكن ابن ميناء تابعي، بخلاف ابن أبي هلال.
والجمع بينهما إما بتعدد المرئي، وهو واضح، أو بأنه منام واحد، حفظ فيه بعض الرواة ما لم يحفظ غيره، وتقدم طريق الجمع بين اقتصاره على جبريل وميكائيل في حديث، وذكره الملائكة بصيغة الجمع في الجانبين الدال على الكثرة في آخر، وظاهر رواية سعيد بن أبي هلال أن الرؤيا كانت في بيت النبي صلى الله عليه وسلّم لقوله: «خرج علينا فقال: إني رأيت في المنام».
وفي حديث ابن مسعود أن ذلك كان بعد أن خرج إلى الجن فقرأ عليهم، ثم أغفى عند الصبح فجاءوا إليه حينئذ، ويجمع بأن الرؤيا كانت على ما وصف ابن مسعود، فلما رجع إلى منزله خرج على أصحابه فقصها، وما عدا ذلك فليس بينهما منافاة، إذ وصف الملائكة برجال حسان، يشير إلى أنهم تشكلوا بصورة الرجال.
وقد أخرج أحمد والبزار والطبراني، من طريق علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، نحو أول حديث سعيد بن أبي هلال، لكن لم يسمّ الملكين، وساق المثل على غير سياق من تقدم، قال:
«إن مثل هذا ومثل أمته كمثل قوم سفر، انتهوا إلى رأس مفازة، فلم يكن معهم من الزاد ما يقطعون به المفازة، ولا ما يرجعون به، فبينما هم كذلك، إذ أتاهم رجل فقال: أرأيتم إن وردت بكم رياضا معشبة، وحياضا رواء، أتتبعوني؟ قالوا: نعم، فانطلق بهم فأوردهم، فأكلوا، وشربوا، وسمنوا، فقال لهم: إن بين أيديكم رياضا هي أعشب من هذه، وحياضا أروى من هذه فاتبعوني، فقالت طائفة: صدق، والله لنتبعه، وقالت طائفة: قد رضينا بهذا نقيم عليه».
وهذا إن كان محفوظا قوى الحمل على التعدد، إما للمنام وإما لضرب المثل، ولكن عليّ بن زيد ضعيف من قبل حفظه. قال ابن العربيّ في حديث ابن مسعود: إن المقصود «المأدبة»، وهو ما يؤكل ويشرب، ففيه رد على الصوفية الذين يقولون: لا مطلوب في الجنة إلا الوصال، والحق أن لا وصال لنا إلا بانقضاء الشهوات الجسمانية والنفسانية والمحسوسة والمعقولة، وجماع ذلك كله في الجنة.اهـ.
وليس ما ادّعاه من المرد بواضح، قال: وفيه أن من أجاب الدعوة أكرم، ومن لم يجبها أهين، وهو بخلاف قولهم: من دعوناه فلم يجبنا فله الفضل علينا، فإن أجابنا فلنا الفضل عليه، فإنه مقبول في النظر، وأما حكم العبد مع المولى، فهو كما تضمنه هذا الحديث. المرجع السابق: 317- 320.
وله من حديث فليح: حدثنا هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبي، قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبي». ذكره والّذي قبله في كتاب الاعتصام.
قوله: «فليح»، بالفاء والمهملة، مصغر، هو ابن سليمان المدني، وشيخه هلال بن علي، هو الّذي يقال له ابن ميمونة.
قوله صلى الله عليه وسلّم: «كل أمتي يدخل الجنة إلا من أبي»، بفتح الموحّدة، أي امتنع، وظاهره أن العموم مستمر، لأن كلّا منهم لا يمتنع من دخول الجنة، ولذلك قالوا: «ومن يأبى» فبين لهم أن إسناد الامتناع إليهم عن الدخول، مجاز عن الامتناع عن سننه، وهو عصيان الرسول صلى الله عليه وسلّم.
وأخرج أحمد والحاكم من طريق صالح بن كيسان عن الأعرج، عن أبي هريرة رفعه «لتدخلن الجنة إلا من أبي وشرد على الله شراد البعير»، وسنده على شرط الشيخين، وله شاهد عن أبي أمامة عن الطبراني، وسنده جيد، والموصوف بالإباء وهو الامتناع، إن كان كافرا فهو لا يدخل الجنة أصلا، وإن كان مؤمنا، فالمراد منعه من دخولها مع أول داخل، إلا من شاء الله تعالى.
وأما وجوب اتباعه وامتثال سنته والاقتداء بهداه صلى الله عليه وسلّم فقد قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} 3: 31. فوعد تعالى محبته ومغفرته للذين اتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلّم وآثروه على أهوائهم وما تجنح إليه نفوسهم، قال الحسن: إن أقواما قالوا: يا رسول الله، إنا نحب الله، فأنزل الله سبحانه وتعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله} 3: 31 الآية، وقيل إن كعب بن الأشرف وغيره قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه، ونحن أشد حبا للَّه، فأنزل الله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله} 3: 31 الآية، وقال الزجاج: معناه إن كنتم تحبون الله أن تقصدوا طاعته فافعلوا ما أمركم، إذ محبة العبد للَّه والرسول طاعته لهما ورضاه بما أمر، ومحبة الله لهم عفوه عنهم وإنعامه عليهم برحمته، وقال تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} 7: 158، فأمر تعالى الكافة بمتابعته صلى الله عليه وسلّم، ووعدهم الاهتداء باتباعه لأنه الله تعالى أرسله بالهدى ودين الحق ليزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ويهديهم إلى صراط مستقيم.
وقال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ} 4: 65 الآية، أي ينقادون لحكمك، يقال: سلم واستسلم وامتثل إذا انقاد، فجعل تعالى صحة إيمان خليقته بانقيادهم له صلى الله عليه وسلّم ورضائهم بحكمه وترك الاعتراض عليه، وقال سهل في قوله: {صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} 1: 7. قال: بمتابعة السنة.
وخرج أبو داود من حديث ثور بن يزيد قال: حدثني خالد بن معدان قال:
حدثني عبد الرحمن بن عمرو السلمي وحجر بن حجر قالا: أتينا العرباض بن سارية، وهو ممن نزل فيه: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} 9: 92. فتكلمنا وقلنا: أتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين، فقال العرباض: «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة تامة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودّع فما ذا تعهد إلينا، فقال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة»، وأخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
وخرج بقي بن مخلد من حديث زيد بن الجناب عن معاوية بن صالح قال:
حدثني الحسن بن جابر أنه سمع المقدام بن معدي كرب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «يوشك برجل متكئ على أريكته يحدث بحديثي يقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ما وجدنا فيه من حلال أحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله»، وخرج البخاري في كتاب الأدب، وفي كتاب الاعتصام. من حديث الأعمشي، حدثنا مسلم عن مسروق قال: قالت عائشة رضي الله عنها: «صنع النبي صلى الله عليه وسلّم شيئا فرخص. فيه فتنزه عنه قوم، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلّم، فخطب فحمد الله ثم قال: ما بال. أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه، فوالله إني لأعلمهم باللَّه وأشدهم له خشية»، وخرجه مسلم بنحوه أو قريب منه، وخرج الترمذي من حديث سفيان عن عبد الرحمن بن زياد الإفريقي عن قوله: «ما بال أقوام»، في رواية جرير «ما بال رجال» قال ابن بطال: هذا لا ينافي الترجمة، لأن المراد بها المواجهة مع التعيين، كأن يقول: ما بالك يا فلان تفعل كذا، وما بال فلان يفعل كذا، فأما مع الإبهام فلم تحصل المواجهة وإن كانت صورتها موجودة، وهي مخاطبة من فعل ذلك، لكنه لما كان من جملة المخاطبين ولم يميز عنهم، صار كأنه لم يخاطب.
قوله: «يتنزهون عن الشيء أصنعه»، في رواية جرير «بلغهم عني أمر ترخّصت فيه فكرهوه وتنزهوا عنه»، وفي رواية أبي معاوية: «يرغبون عما رخص لي فيه». قوله: «فو الله إني لأعلمهم باللَّه وأشدهم له خشية»، جمع بين القوة العملية، والقوة العلمية، أي أنهم توهموا أن رغبتهم عما أفعل أقرب لهم عند الله، وليس كذلك، إذ هو أعلمهم بالقربة، وأولادهم بالعمل بها.
قال ابن بطال: كان النبي صلى الله عليه وسلّم رفيقا بأمته، فلذلك خفف عنهم العتاب، لأنهم فعلوا ما يجوز لهم من الأخذ بالشدة، ولو كان ذلك حراما لأمرهم بالرجوع إلى فعله.
قال الحافظ ابن حجر: أما المعاتبة فقد حصلت منه لهم بلا ريب، وإنما لم يميز الّذي صدر منه ذلك سترا عليه، فحصل منه الرّفق من هذه الحيثية، لا بترك العتاب أصلا، وأما استدلاله بكون ما فعلوه غير حرام، فواضح من جهة أنه لم يلزمهم بفعل ما فعله هو.
وفي الحديث الحث على الاقتداء بالنبيّ صلى الله عليه وسلّم، وذم التعمق والتنزه عن المباح، وحسن العشرة عند الموعظة، والإنكار والتلطف في ذلك.
قال الإمام النووي في شرح مسلم: فيه الحث على الاقتداء به صلى الله عليه وسلّم، والنهي عن التعمق في العبادة، وذم التنزه عن المباح شكّا في إباحته.
وفيه الغضب عند انتهاك حرمات الشرع، وإن كان المنتهك متأولا تأويلا باطلا.
وفيه حسن المعاشرة بإرسال التعزير والإنكار في الجمع، ولا يعين فاعله، فيقال: ما بال أقوام ونحوه.
وفيه أن القرب إلى الله تعالى سبب لزيادة العلم به وشدة خشيته.
وأما قوله صلى الله عليه وسلّم: «فوالله لأنا أعلمهم باللَّه وأشدهم له خشية»، فمعناه أنهم يتوهمون أن سننهم عما فعلت أقرب لهم عند الله، وإن فعل خلاف ذلك، وليس كما توهموا، بل أنا أعلمهم باللَّه وأشدهم له خشية، وإنما يكون القرب إليه سبحانه وتعالى، والخشية له على حسب ما أمر، لا بمخيلات النفوس، وتكلف أعمال لم يأمر بها، والله أعلم.
عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية ليكوننّ في أمتي من يصنع ذلك، وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة، قالوا من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على ما أنا عليه وأصحابي». قال أبو عيسى: هذا حديث مفسّر غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه قال الترمذي: الإفريقي ضعيف عند أهل الحديث.
قوله صلى الله عليه وسلّم: «حذو النعل بالنعل» استعارة في التساوي، وقيل: الحذو القطع والتقدير أيضا، يقال: حذوت النعل بالنعل إذا قدرت كل واحدة من طاقاتها على صاحبتها لتكونا على السواء، ونصبه على المصدر، أي يحذونهم حذوا مثل حذو النعل بالنعل، أي تلك المماثلة المذكورة في غاية المطابقة والموافقة، كمطابقة النعل بالنعل.
قوله صلى الله عليه وسلّم: «حتى إذا كان منهم من أتى أمه»، حتى: ابتدائية، والواقع بعده جملة شرطية، وإتيان الأم كناية عن الزنا.
قوله صلى الله عليه وسلّم: «وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين مله»، سمى صلى الله عليه وسلّم طريقة كل واحد منهم «ملة» اتساعا، وهي في الأصل ما شرع الله لعباده على ألسنة أنبيائه ليتوصلوا به إلى القرب من حضرته تعالى، ويستعمل في جملة الشرائع دون آحادها، ولا تكاد توجد مضافة إلى الله تعالى، ولا إلى آحاد أمة النبي، بل يقال: ملة محمد صلى الله عليه وسلّم أو ملتهم كذا، ثم إنها اتسعت فاستعملت في الملل الباطلة، لأنهم لما عظم تفرقهم، وتدنّيت كل فرقة منهم بخلاف ما تديّن به غيرها، كانت طريقة كل منهم كالملة الحقيقية في التدين، فسميت باسمها مجازا.
وقيل: الملة كل فعل وقول اجتمع عليه جماعة، وهو قد يكون حقا، وقد يكون باطلا، والمعنى أنهم يفترقون فرقا، تتديّن كل واحدة منها بخلاف ما تتديّن به الأخرى.
قوله صلى الله عليه وسلّم: «وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة»، قيل: فيه إشارة لتلك المطابقة، مع زيادة هؤلاء في ارتكاب البدع بدرجة، وقوله صلى الله عليه وسلّم: «إلا ملة»، بالنصب، أي إلا أهل ملة، «قالوا: من هي»؟ أي تلك الملة أي أهلها الناجية.
قوله:هذا حديث حسن غريب، في سنده عبد الرحمن بن زياد الإفريقي، وهو ضعيف، فتحسين الترمذي له لاعتضاده بأحاديث الباب، وحديث عبد الله بن عمرو هذا أخرجه أيضا الحاكم. ضعفه يحى بن سعيد القطان وغيره، وقال أحمد: لا أكتب حديث الإفريقي.
وخرج الترمذي من حديث محمد بن عبد الله الأنصاري عن أبيه عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب قال: قال أنس بن مالك رضي الله عنه: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «يا بني إن قدرت أن تصبح وتمسي ليس في قلبك غش لأحد فافعل. ثم قال لي: يا بني، وذلك من سنتي ومن أحيا سنتي فقد أحياني، ومن أحياني كان معي في الجنة»- وفي الحديث قصة طويلة- قال أبو عيسى: هذا حديث غريب من هذا الوجه، ومحمد بن عبد الله الأنصاري ثقة، وأبوه ثقة، وعلي بن زيد صدوق إلا أنه ربما يرفع الشيء الّذي يوقفه وفيه: «ما أنا عليه اليوم وأصحابي»، واعلم أن أصول البدع كما نقل في المواقف ثمانية:
[1]. المعتزلة القائلون بأن العباد خالقوا أعمالهم، وبنفي الرؤية، وبوجوب الثواب والعقاب، وهم عشرون فرقة.
[2]. الشيعة المفرطون في محبة علي كرم الله وجهه وهم اثنان وعشرون فرقة.
[3]. الخوارج المفرطة المكفّرة له رضي الله عنه، ومن أذنب كبيرة وهم عشرون فرقة.
[4]. المرجئة القائلة بأن لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وهي خمس فرق.
[5]، والنجّارية الموافقة لأهل السنة في خلق الأفعال، فرقة أيضا.
[6]. المعتزلة في نفي الصفات وحدوث الكلام، وهم ثلاث فرق.
[7]، والجبرية القائلة بسلب الاختيار عن العباد فرقة واحدة.
[8]، والمشبهة الذين يشبهون الحق بالخلق في الجسمية والحلول. فرقة أيضا، فتلك ثلاث وسبعون فرقه، والفرقة الناجية هم أهل السنة البيضاء المحمدية، والطريقة النقية الأحمدية. تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: [7/ 333- 334]، أبواب الإيمان باب [18] افتراق هذه الأمة، حديث رقم [27779].
وأخرجه أيضا الحاكم في المستدرك: [1/ 129]، حديث رقم [444/ 155] ذكره في كتاب العلم. قال في التخليص: رواه ثابت بن محمد العابد، عن الثوري، عن ابن أنعم الإفريقي، عن عبد الله بن يزيد عنه، وقال إسماعيل بن أبي أويس: حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف بن يزيد، عن أبيه، عن جده مرفوعا: «لتسلكن سنن من قبلكم، إن بني إسرائيل افترقت» الحديث.
غيره. قال وسمعت محمد بن بشار يقول: قال أبو الوليد: قال شعبة:
أخبرنا علي بن زيد وكان رفاعا، ولا يعرف لسعيد بن المسيب عن أنس. رواية إلا في هذا الحديث بطوله، وقد روى عباد بن ميسرة المقبري هذا الحديث عن علي بن زيد عن أنس ولم يذكر فيه عن سعيد بن المسيب، قال أبو عيسى: وذاكرت محمد بن إسماعيل ولم يعرفه، ولم يعرف لسعيد بن المسيب، عن أنس هذا الحديث ولا غيره، ومات أنس بن مالك. سنة ثلاث وتسعين، ومات سعيد بن المسيب بعده بسنتين، مات سنة خمس وتسعين والله أعلم.